منتدى التصوف الاسلامي / زمزم الصوفية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ذكر الله والخلوة

اذهب الى الأسفل

ذكر الله والخلوة Empty ذكر الله والخلوة

مُساهمة من طرف Admin السبت ديسمبر 16, 2017 12:05 am

ذكر الله
المسبحة، يستعملها الصوفيون لأورادهم وأذكارهم
يعرّف الإمام ابن عطاء الله السكندري الذكر على أنه: هو التخلص من الغفلة والنسيان بدوام حضور القلب مع الحق، وقيل: ترديد اسم الله بالقلب واللسان، أو ترديد صفة من صفاته، أو حكم من أحكامه، أو فعل من أفعاله، أو غير ذلك مما يُتقرَّبُ به إلى الله[59].

ويعتقد الصوفية أن الذكر يثمر المقامات كلها من اليقظة إلى التوحيد، ويثمر المعارف والأحوال التي شمَّر إليها السالكون، فلا سبيل إلى نيل ثمارها إلا من شجرة الذكر، وكلما عظمت تلك الشجرة ورسخ أصلها، كان أعظم لثمرتها وفائدتها. وهو أصل كل مقام وقاعدته التي يبني عليها، كما يُبنى الحائط على أساسه، وكما يقوم السقف على جداره.

حث أئمة التصوف على الذكر كثيرا، فقال الإمام أبو القاسم القشيري : الذكر منشور الولاية، ومنار الوصلة، وتحقيق الإرادة، وعلامة صحة البداية، ودلالة النهاية، فليس وراء الذكر شيء؛ وجميع الخصال المحمودة راجعة إلى الذكر ومنشؤها عن الذكر. وقال أيضاً: الذكر ركن قوي في طريق الحق سبحانه وتعالى، بل هو العمدة في هذا الطريق، ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر[60].

ويجعل الصوفية للذكر أنواع، ولكل منها أدلة عندهم من الكتاب والسنة يجيزونها بها، ولكل منها فوائد تعود على السالك إلى الله بما يناسب حاله، فيذكرون:

ذكر السرّ، وذكر الجهر.
الذكر الفردي، والذكر الجماعي.
الذكر باللسان، والذكر بالقلب.

الخلوة
يعرف الصوفية الخلوة على أنها: انقطاع عن البشر لفترة محدودة، وترك للأعمال الدنيوية لمدة يسيرة، كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي لا تنتهي، ويستريح الفكر من المشاغل اليومية التي لا تنقطع، ثم ذكرٌ لله بقلب حاضر خاشع، وتفكرٌ في آلائه آناء الليل وأطراف النهار، وذلك بإرشاد شيخ عارف بالله، يُعلِّمه إذا جهل، ويذكِّره إذا غفل، وينشطه إذا فتر، ويساعده على دفع الوساوس وهواجس النفس[61].

أما عن دليلها الذي يستدلون به من الكتاب والسنة، عديدة، منها:

إلآية القرآنية الكريمة: (واذكرِ اسم ربِّكَ وتَبَتَّلْ إليه تبتيلاً) [المزمل: 8]. وقد قال العلامة أبو السعود مفسراً لهذه الآية: ودُم على ذكره تعالى ليلاً ونهاراً على أي وجه كان؛ من التسبيح والتهليل والتحميد... إلى أن قال: وانقطعَ إليه بمجامع الهمة واستغراق العزيمة في مراقبته، وحيث لم يكن ذلك إلا بتجريد نفسه عليه الصلاة والسلام عن العوائق الصادرة المانعة عن مراقبة الله، وقطع العلائق عما سواه[62].
حديث عن عائشة أنها قالت: "أولُ ما بُدِئَ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاءُ، وكان يخلو بغار حِراءَ؛ فيتَحَنَّثُ فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، ويتزود لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء"[63]. وقد قال ابن أبي جمرة في شرحه لهذا الحديث: "في الحديث دليل على أن الخلوة عون للإنسان على تعبده وصلاح دينه، لأن النبي لما اعتزل عن الناس وخلا بنفسه، أتاه هذا الخير العظيم، وكل أحد امتثل ذلك أتاه الخير بحسب ما قسم له من مقامات الولاية. وفيه دليل على أن الأوْلى بأهل البداية الخلوة والاعتزال، لأن النبي كان في أول أمره يخلو بنفسه"[64]. وقال القسطلاني في شرحه لحديث عائشة المذكور: "وفيه تنبيه على فضل العزلة لأنها تريح القلب من أشغال الدنيا، وتفرغه لله تعالى، فتنفجر منه ينابيع الحكمة. والخلوة أن يخلو عن غيره، بل وعن نفسه بربه، وعند ذلك يصير خليقاً بأن يكون قالبه ممراً لواردات علوم الغيب، وقلبه مقراً لها"[65].
ويذكر الإمام الغزالي طريقة الخلوة ومراحلها ومقاماتها، فيقول: "أن الشيخ يُلزِم المريد زاوية ينفرد بها، ويوكل به من يقوم له بقدر يسير من القوت الحلال - فإنَّ أصل الدين القوت الحلال - وعند ذلك يلقنه ذكراً من الأذكار، حتى يشغل به لسانه وقلبه، فيجلس ويقول مثلاً: الله، الله، أو سبحان الله، سبحان الله، أو ما يراه الشيخ من الكلمات، فلا يزال يواظب عليه، حتى يسقط الأثر عن اللسان، وتبقى صورة اللفظ في القلب، ثم لا يزال كذلك حتى تُمحى من القلب حروف اللفظ وصورته، وتبقى حقيقة معناه لازمة للقلب، حاضرة معه، غالبة عليه، قد فرغ عن كل ما سواه، لأن القلب إذا اشتغل بشيء خلا عن غيره - أيَّ شيء كان - فإذا اشتغل بذكر الله وهو المقصود، خلا لا محالة من غيره. وعند ذلك يلزمه أن يراقب وساوس القلب، والخواطر التي تتعلق بالدنيا، وما يتذكر فيه مما قد مضى من أحواله وأحوال غيره، فإنه مهما اشتغل بشيء منه - ولو في لحظة - خلا قلبه عن الذكر في تلك اللحظة، وكان أيضاً نقصاناً. فليجتهد في دفع ذلك، ومهما دفع الوساوس كلها، وردَّ النفس إلى هذه الكلمة، جاءته الوساوس من هذه الكلمة، وإنها ما هي؟ وما معنى قولنا: الله؟ ولأي معنى كان إلهاً، وكان معبوداً؟ ويعتريه عند ذلك خواطر تفتح عليه باب الفكر، وربما يَرِدُ عليه من وساوس الشيطان ما هو كفر وبدعة، ومهما كان كارهاً لذلك، ومُتَشمِّراً لإماطته عن القلب لم يضره ذلك"[66].

ويجعل الصوفية للخلوة نوعين، هما:

خلوةٌ عامة: ينفرد بها المؤمن ليتفرغ لذكر الله بأية صيغة كانت، أو لتلاوة القرآن، أو محاسبة نفسه، أو ليتفكر في خلق السموت والأرض.
خلوةٌ خاصة: يقصد منها الوصول إلى مراتب الإحسان والتحقق بمدارج المعرفة، وهذه لا تكون إلا بإشراف مرشدٍ مأذون، يُلَقِّنُ المريد ذكراً معيناً، ويكون على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك ويدفعه إلى آفاق المعرفة، ويرفع عنه الحجب والأوهام والوساوس، وينقله من الكون إلى المُكَوِّن.

Admin
Admin

المساهمات : 14
تاريخ التسجيل : 15/12/2017

https://zamzamalsoufia.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى